الطريقة المثلى للإبتعاد عن السجائر
أنـا اسمي ... ، أبلغ من العمر 41 عاماً، كنت أدخن منذ أربع سنوات بشراهة من 20-30 سيجارة في يومياًً وكنت أتناسى كم المساوئ التي ارتكبتها بتدخيني للسجائر وجرأتي علي تلويث البيئة المحيطة بأطفالي أعز ما أمتلكه في هذه الدنيا. وهذا ليس ناتجاً ًعن جهلي بما تسببه من أضرار لي ولمن حولي - أعلم أنكم ستصفوني بأنني أناني لا أحب غير نفسي حيث أعلم مضارها وما زلت مستمراًً في ذلك ... لكنني أخذت القرار أخيراًً ذات يوم بأن أنساها لكي تخرج من حياتي نهائياً. وقمت بتأليف سيناريو يتكون من أربعة فصول ... جعلت من نفسي بطلاً لهذا السيناريو ولا يوجد سوا ، فإذا كنت مدخناًً فبوسعك اقتباسه مني لكن لا تتوقع أن تسير أحداثه بنفس السرعة فقد استغرق إعداده بالنسبة لي أكثر من عامين، فمن الممكن أن تستغرق وقتاًً أطول من ذلك أو أقل وهذا يعتمد علي مدي إتقانك لدورك في كل فصل من هذه الفصول.
الفصل الأول "الإقلاع سراً"
- المقلع عن التدخين (البطل):
كما أشرت في السطور السابقة، أعلم أن باتباعي عادة التدخين كنت أنانياً. وقد فكرت مرات عديدة كيف أغير من هذه الأنانية، حيث اكتشفت مؤخراًً أن هذه الأنانية لا أمارسها علي من حولي ولكن علي نفسي بمعني أنه أنا الذي أنفق المال علي نفسي لإدخال السم لجسدي وعقلي، وبإقلاعي عن هذه العادة السيئة جداًً سأكون أيضاً أنا المستفيد وليس أحد آخر، ففكرت أن أكون أنانياًً من أجل صحتي وليس ضد صحتي فأصبحت أفكر مراراًً وتكراراًً كيف أنقذ نفسي كيف أتخذ قراري من داخلي، وليس بطلب من العائلة أو الأصدقاء أو المعارف فأنا الوحيد صاحب القرار. ولذلك اتخذت علي عاتقي بعدم إخبار أي شخص فيما أنوي أن أفعله وأنفذ خطتي في سرية تامة وهذه أهم خطوة في هذه المرحلة فإذا أقدم أي شخص علي عملية الإقلاع عن التدخين يجب أن يلتزم ويغلق فمه. وأكيد هتسألني ما السبب وراء هذه السرية لأنني لا أقوم بعمل عظيم فأنا مخطئ ولابد من إصلاح أخطائي والاعتراف بها أمام الجميع لسببين:
- الأول: إنني أناني والأنانية معناها عدم المشاركة، وعدم إطلاع أي شخص علي ما يدور بداخلك أو بما ينوي أن تفعله. "والسر إذا خرج من صاحبه لا يظل سر".
- الثاني: والسبب الثاني ماذا سيكون رد فعل من حولي إذا فشلت في هذه التجربة؟ لا أريد أن يمارس أحد ضغوطاًً علي تجربتي مع عملية الإقلاع ودوامت عليها علي الأقل بالنسبة لنفسي.
الفصل الثاني "المشي أولاًً ثم الجري"
عندما تفكر في الإقلاع عن التدخين، هناك شئ ضروري يجب أخذه في الاعتبار أنه عندما يعتمد جسدك علي عادة معنية فهو يصبح أسيرها. وبتدخينك السجائر ستقع تحت نوعين من الأسر:
1- الأسر الجسماني.
2- الأسر النفسي.
والأسر الجسماني هو الأسرع والأقوى في المفعول لأن بعد مرور وقت من الزمن من تدخينك السجائر وباستمرار علي نحو منتظم فبذلك أنت تقدم لجسدك النيكوتين وتأثيره الإدمانى علي طبق من ذهب وليس فضة. وستجد صعوبة في التغلب علي تأثيره عندما تفكر في الإقلاع عن التدخين تفوق تفهمك وإقتناعك الذي توصلت إليه بمدي الضرر الذي تلحقه بك السجائر. وماذا عن الأسر النفسي، بصراحة شديدة قررت التأجيل في التفكير في التأثير النفسي التي تحدثه لي.
فكرت أولاًً كيف أخلص نفسي من هذا الأسر الجسماني، بدأت أقرأ نسب النيكوتين الضارة المكتوبة علي علب السجائ ، وتوصلت إلي مناطق ضعف في السيجارة تمثل لي نقاط قوة في نفس الوقت. وقد ركزت علي نسب النيكوتين فنجد أن معدل ما تحتويه السجائر من نسب نيكوتين عالية إلي منخفضة علي النحو التالي : 1.3 ملجم معدل عالٍ - 0.1 ملجم معدل منخفض)، وجاءت لي الفكرة آنذاك وأخبرت نفسي "ماذا لو اعتمدت علي السجائر التي بها نسب منخفضة من النيكوتين ولتكن نفس كمية السجائر التي اعتدت أن أدخنها والتي تحتوي علي النسب العالية، بالطبع سيقلل من خضوعي للتأثير الإدماني للنيكوتين. سيسخر مني البعض لأول وهلة وسيكون تعليقكم "سجائر أيضاً" وخاصة لأنني جربتها من قبل وأتت بتأثير سلبي عليَّ. الأمر الذي أدي بي إلي تدخين من 40-60 سيجارة في اليوم الواحد. لكن هذه المرة مختلفة. نعم، قررت أن أدخن سجائر بها نسب نيكوتين منخفضة ولكن علي مراحل عديدة وهذا هو المختلف، بدأت أتدرج في النسب ولم أبدأ بأقل نسبة بل بأعلاها.
- أولاًً قمت بتدخين السجائر التي بها نسبة نيكوتين 0.7 ملجم، وارتفع كم السجائر التي أدخنها أكثر من التي كانت بها نسب عالي ، وبعد مرور أسبوع أو أسبوعين اعتاد جسمي علي تأثيرها وانخفض كم السجائر التي أدخنها - وبعد مرور شهر اختفي تأثير النيكوتين القوي وكأنني لم أدخنه من قبل.
لا تندهش من ذلك لأن التدخين عادة، وبوسع الإنسان تغيير عاداته. وانتظرت أشهر أخري قليلة قبل أن أغير النسبة إلي الأقل، لا تتعجل فالمشي يسبق الجري ... !!
وبعد مرور أربعة أشهر بدأت في تنفيذ الخطوة الثانية وأصبحت النسبة 0.3 ملجم، وكما حدث في الخطوة السابقة كنت شرهاًً تجاه السجائر وبعد مرور أسبوعين اعتاد جسمي علي تأثير هذه النسبة الجديدة وبعد مرور شهر اختفي تأثير 0.7 ملجم وكأنني لم أدخنه من قبل بدأت الثقة تعود لنفسي. وقررت أخذ الخطوة التالية بعد مرور أربعة أشهر أخري لتكن النسبة هذه المرة أقلهما علي الإطلاق (0.1 ملجم) وأحسست لأول مرة أنني استنشق هواء صحياًً وأصبح الكثير من الأصدقاء لا يتقبلوا نوعية ما أدخنه من سجائر لأنها ليست قوية وهذا في حد ذاته دليلاًً علي النجاح وكنت أسمع سخريتهم لي "هذه السجائر الحقيرة التي تدخنها ... متى سيرجع لك رشدك لتدخن السجائر المحترمة" وكانت هذه العبارات يرددونها لي باستمرار، ولا يعرفون أنني في مهمة رسمية تجاه صحتي.
وأجد آخرين يرددون عبارات أخري "ما تفعله لن ينجح ... وعبث ... فأنت تضحك علي نفسك" وكان ردي عليهم كالتالي إذا كنت أضحك علي نفسي ماذا إذا ! اتركوني وحالي فأنا حر في نفسي وكانت ردودي هذه تأتي لتخليص جسدي من الأسر الذي وقع فيه من جراء تدخين السجائر وكان ينتقدني طائفتان من الناس: غير مدخن أو مدخن، وكنت أرد عليهم بنفس الطريقة فغير المدخن أخبره ماذا يعرف عن الإقلاع لكي يتحدث عن السجائر وتجربتها؟! أما المدخن فكنت أخبره ما هو النجاح الذي تحرزه من تدخينك للسجائر؟ . وسنجد أيضاًً من يمتدحك وهو المقلع بالفعل عن التدخين وسيشجعك دائماًً فيما تفعله لأنه جرب والتجربة وسيلة للنجاح بل ربما سيخبرك أيضاًً بطرق مختلفة اتبعها لكي يتخلص من عادته السيئة. وبمجرد وصولي لهذه المرحلة، كان ولابد أن أنتقل إلي مرحلة أخري علي وجه السرعة ...
الفصل الثالث "مرحلة التنفيذ"
وهذه المرحلة هي من أصعب المراحل، لأنها مرحلة التنفيذ الفعلي وتكمن صعوبتها في أن التنفيذ لابد وأن يصاحبه حافزاً، ويوجد نوعين من هذه الحوافز: إحداهما لإتخاذ القرار، وآخر للتنفيذ. والحافز الخاص باتخاذ القرار سهل للغاية ولا يمثل أي صعوبة ويتضح ذلك في:
- المرحلة الأولي قراري بترك السيجارة.
- المرحلة الثانية قراري بتقليل نسبة النيكوتين.
وبالرغم من أن المرحلة الثانية قل الاعتماد الإدماني علي النيكوتين، لكن ما زالت هناك المعادلة الصعبة التي تحتاج إلي حل وإلي الخطوة الأكب. وعندها بدأ قلبي في الخفقان وكنت أخيره بأنني أنجزت خطوات لا بأس بها، لكن السجائر ما زالت في حياتي لم أتحرر منها نهائياً، وفجأة أشعر بالسعادة لأنني لم أخبر أحد بجدول أعمالي.
تعرف كم من الوقت استغرق مني لكي أجد الدافع القوي الذي يحررني من آخر سيجارة أمسكها في يدي؟ خمسة أشهر، وطوال هذه الفترة مازلت متشبثاًً بالسيجارة علي الرغم من تأكدي من نجاح المرحلة الثانية واعتمادي علي النيكوتين قد قل ولم أعد أريد تدخين مزيداًً من السجائر. مكثت أفكر ما هو الدافع النفسي القوي الذي يبعد السيجارة عن فمي؟ وبدأت أربط بعض العادات التي يتبعها الشخص عندما يكون طفلاً مثل مصه لثدي أمه من خلال الرضاعة، أو مصه لإصبعه، أو قضمه لأظافره ... ثم يتخلى عنها بمرور الوقت بعادتي للتدخين علي الرغم من وجود الفارق الكبير لكنه مجرد تحليل للوصول إلي نتيجة إيجابية، فأنا لا أحتاج إلي نظريات مثل نظريات "فرويد" للتحليل النفسي فالذي كان يهمني هو التغلب علي أصعب مرحلة.
ومرت أربعة أشهر أخري بخلاف الخمسة أشهر السابقة مستغرقاًً في التفكير لكي أصل إلي الحل، وأخيراًً أرشدني تفكيري إلي "الشعور بالذنب" نعم هذا هو دافعي القوي وراء قراري الأخير. فكرت كثيراًً وتوصلت إلي الحقيقة التالية: ما هو ذنب طفلي الصغير الذي يبلغ من العمر 13 عاماً والذي بدأ في الوقت نفسه بالتدخين، ليس هو الابن الوحيد الذي يدخن لكنه قلد أخيه الكبير وأخته أيضاًً وكنت أحدث نفسي لماذا أسبب لهم كل هذا الأذى، ولم أشعر أنني استغرقت كل هذه المدة في الوصول إلي الدافع وهما عامين كاملين، لكن صدقوني فقد شعرت بهم وكأنهم يومين فقط.
وبوصولي لقرار الإقلاع وتصميمي عليه ظننت أنني محظوظ لأن الكثير لا يستطيع الإقدام عليه، لكنه علي العكس لأن أولادي وقعوا فريسة لها بما أنني المثل والقدوة لهم في كل ما اتبعه من عادات. أعلم أنه ليس بوسع معظم المدخنين أن يكون لديهم هذا الدافع لأن الكل ليسوا آباء وأمهات، كما أن الأبناء لا يرتبط تدخينهم فقط باتباع الآباء والأمهات هذه العادات السيئة. فإعداد النفس للإقلاع هي من أهم العوامل التي تمكنك من الوصول لهذه المرحلة الصعبة (مرحلة الدافع) وأيضاًً الوصول إلي المرحلة النهائية والأخيرة، والتي كانت تبدو لي الرجوع بسلامة إلي حياتي.
الفصل الرابع "النجاح فى الإقلاع عن التدخين"
إنني علي يقين من أن كل شخص قرار الاستغناء عن السيجارة مر بمثل هذا السيناريو من قبلي مثلي. لقد قررت وإن كنت أقسو علي نفسي في بعض الأحيان ألا أكون عبداًً للسجائر التي هى شر يصيب الإنسان، كنت أتخلص من علبة السجائر أو أي شئ يتصل ويذكرني بها. فأصبح التدخين محظوراًً في المنزل كما أنني عزمت بداخلي عن الانفصال عن زوجتي إذا لم تمتنع هي الأخرى عن التدخين، منعت أصدقائي المدخنين من القيام بزيارتي في المنزل. توقفت عن مشاهدة التليفزيون أو قراءة الصحف أو المجلات أو أي عادة أخرى تتصل وتفكرني بالتدخين حتى عندما كنت أقوم بالتنزه مع أصدقائي في العمل أو القيام برحلات فعندما كانوا يعرضون علي السجائر لا يجرأون علي تقديمها إلا بالاعتذار وذكر هذه الكلمات "معذرة" وإن كانوا يتظاهرون بهذه الكلمات لأنهم يريدون الزج بي والعودة إلي تدخين السجائر مثلهم ولكن أود أن أخبركم أيضاًً أن هذه لم تكن الطريقة التي بدأت فيها المرحلة الرابعة لأن السيناريو مازال في طي الكتمان لا يعرفه أحد حتى يتحقق لي النجاح. حتى الآن لم يعرف أحد بحقيقة ما أفعله. فبالرغم مما فعلته فكان لزاماً علي أن أتظاهر بأنني ما زلت أدخن. وما زلت أحمل معي السجائر والكبريت. ولحسن حظي ما فعلته في الخطوة الثانية أفادني كثيراًً. لأن أصدقائي ليست لديهم الرغبة في تدخين سجائري الأقل في نسبة النيكوتين لأنها لا تسبب لهم التأثير الإدمانى الذي ما زالوا يخضعون له، كما أنني لا أرغب في تدخين سجائرهم لذلك لم يندهش أحد منهم عندما أرفض السيجارة التى تقدم لي منهم. كما أن حيلتي وفكري كان يتوطد عندما أعرض علي واحد منهم بسجائري لنفاذ سجائره كنت أضحك كثيراًً وأشجع نفسي قائلاً: هائل ... أحسنت صنعاًً ... استطعت أن أخدع كل من حولي ... حتى زوجتي" أعلم أنكم ستصفون تصرفاتي هذه بأنها تصرفات طفولية ولكنها ساعدتني في النجاح وإحراز نقاط في مصلحة صحتي وصحة أسرتي بل وأصدقائي. وكنت أحاول في بعض الأحيان التغلب علي الشعور الذي ينتابني بالعودة إلي التدخين بمضغ العلكة (اللبان) أو بأكل الحلوى والبسكويت وكان يزيد من وزني، لكن كنت أخبر نفسي دائماًً بأن هذا لن يستمر لفترة طويلة وإنما هي فترة مؤقتة لأنني مررت بمراحل خطر كثيرة وكانت يدي تلتقط السيجارة والكبريت بل وكنت أوقدها.
وعندما ترسخ الشعور بداخلي باقتناعي الكامل ومقدرتي الفولاذية بعدم العودة مرة أخرى، وجدت أنه حان الوقت للكشف عن سري لأن التدخين لم يعد يشغل بالي أو يمثل حيزاً في حياتي. توقفت عن شراء السجائر، لم أعد أمتلك حتى واحدة منها. كانت زوجتي تنقب دائماًً عن السجائر في معطفي عندما تنفذ سجائرها لكي تجد سيجارة واحدة فقط فيها، وكنت أفعل ذلك عن عمد واستمرت هذه الحالة لمدة أسبوع عندما تريد سجائر تفتش معطفي لكي تجد واحدة مرة بعد الأخرى أصابها الإحباط. إلي أن سألتني بنفسها ماذا تقصد بذلك، أجبتها بكل براءة بعد شكواها وكان صوتي به بنرات الانتصار: "لن أشربها لأني تركت السيجارة منذ أسابيع مضت ..."
وكانت تعبيرات وجهها تخبرني لعدة أيام تلت معرفتها بهذه الحقيقة إلي جانب بعض الأصدقاء أيضاًً الذين عرفوا بحقيقة القصة بالدهشة، وكيف تمكنت من إخفاء كل هذه الخطة عليها وكأنني خدعتها.
وأظن أنها نعمة كبيرة، صحيح أنني خدعت من حولي ولكنه خداع شريف فهي يستحق ما بذلته من مجهود لأن به نفع لي ولكل من حولي.
وأخيراً انتهت السجائر من حياتى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق