الحمد لله الذي به تم الصالحات، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، صاحب المعجزات الباهرات، والكرامات الظاهرات.
وبعد...
اعلم أخي المسلم الحبيب أن للمؤمنين في الدنيا ثلاثة أعياد لا غير، عيد يتكرر في كل أسبوع وهو يوم الجمعة، وعيدان يأتيان في كل عام مرة، وهما عيدا الفطر والأضحى، لمَّـا قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان لهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "إن الله قد أبدلكم يومين خيراً منهما: يوم الفطر، ويوم الأضحى" الحديث، فأبدلنا الله بيومي اللهو واللعب هذين يومي الذكر، والشكر، والمغفرة، والعفـو.
وكما للمؤمنين أعياد في الدنيا فلهم كذلك أعياد في الجنة، يجتمعون فيها، ويتزاورون، ويزورون ربهم الغفور الرحيم، وهي نفس أيام الأعياد الثلاثة في الدنيا: يوم الفطر، والأضحى، ويوم الجمعة الذي يدعى بيوم المزيد؛ أما الخواص فإن أيامهم كلها عيد، حيث يزورون ربهم في كل يوم مرتين بكرة وعشياً.
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: (الخواص كانت أيام الدنيا كلها لهم أعياداً فصارت أيامهم في الآخرة كلها أعياداً. قال الحسن: كل يوم لا يعصي الله فيه فهو عيد ، كل يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه، وذكره، وشكره فهو له عيد). لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف لابن رجب الحنبلي صفحة 317
يصادف عيد الأضحى المبارك في العاشر من ذي الحجة، حيث يحتفل العالم الأسلامي بهذه المناسبة في كل أنحاء الأرض.
الثاني عشر من ذي الحجة هو آخر الأيام التي يتم بها الحجيج مناسكهم، حيث تكون ذروة هذه المناسك يومي التاسع من ذي الحجة الذي يصعد به الحجاج إلى جبل عرفات تمشيا مع الحديث: النبوي الشريف "الحج عرفة"
اما العالم الاسلامي فيحتفل تضامنا مع هذه الوقفة في ذلك الموقف الشريف اما اول ايام العيد فيقوم الحجاج هناك في "منى" بتقديم الاضحيات لوجه الله تعالى. ومعهم كل قادر من المسلمين في كافة بقاع الارض. من هنا كانت تسمية هذا العيد بعيد الاضحى، واما ذلك العدد الضخم من الاضحيات التي تذبح وتقدم اضحية فهي تيمنا بسيدنا ابراهيم الخليل الذي اوشك ان يذبح ابنه اسماعيل تلبية لطلب الله تعالى والذي افتدى اسماعيل بكبش ذبح لوجه الله. تبدأ احتفالات عيد الاضحى باداء صلاة العيد فجر اليوم الاول من العيد الذي يستمر اربعة ايام. وتصلى هذه الصلاة في مصلى خارج "المساجد" كما انها تجوز داخل المساجد. ايضا وبعد اداء الصلاة ينتشر المسلمون ليقوموا بذبح اضحياتهم تطبيقا للآيةالكريمة: "انا اعطيناك الكوثر ،فصلّ لربك وانحر"
لايام عيد الاضحى اسماء مختلفة منها (تسعة ذي الحجة يوم عرفة (عشرة ذي الحجة يوم النحر) (الحادي عشر - الثالث عشر من ذو الحجة ايام التشريق). وغيرها… اما بالعامية فيسمى عيد الاضحى بالعيد الكبير. في ايام العيد تتوجه عيون العالم الاسلامي باكمله نحو مكة المكرمة حيث يقوم ملايين المسلمين بتادية خامس اركان الاسلام وخاتمها الا وهو حج بيت الله الحرام والذي ياتي تلبية لنداء الله في القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى: "وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق"
هذه الملايين من الناس تطوف بالبيت العتيق مكبرة داعية الله تعالى
اعتاد المسلمون تحية بعضهم البعض فور انتهائهم من اداء صلاة العيد حيث يقوم: كل مسلم بمصافحة المسلم قائلا "تقبل الله منا ومنك" ثم يقول له. "كل عام وانتم بخير" ويرى البعض من المسلمين في يوم العيد يوم حساب للنفس حيث تكون فترة السنة الماضية هي محور التقييم وكأن المسلم بحلول العيد يكون قد طوى سنة وفتح اخرى جديدة.
تتسم ايام العيد بالصلوات وذكر الله، والفرح، والعطاء، والعطف على الفقراء وتزدان المدن والقرى الاسلامية بثوب جديد كما ان الاطفال يلبسون اثوابا جديدة، وتكثر الحلوى والفواكه في بيت المسلمين
اما البالغون فيقومون بزيارة قريباتهم ومعايدتهن، كذلك يقوم المسلم بزيارة الاقارب والاهل صلة للارحام ومباركة بالعيد
فما الذي ينبغي علينا أن نعمله في هذا العيد، وما الذي ينبغي اجتنابه؟
ما ينبغي عمله في العيد
أولاً: العيدان يثبتان بالرؤية وليس بالحساب، وهذا إجماع من أهل السنة لقوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين ليلة"؛ أما الصلاة فبالتقويم الشمسي.
ثانياً: استحب جماعة من أهل العلم إحياء ليلة العيد، منهم الشافعي، ولم يصحّ في ذلك حديث، وكل الآثار التي وردت في ذلك ضعيفة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن إحياء ليلة العيد أن يصلي العشاء في جماعة ويعزم أن يصلي الصبح في جماعة".
ثالثاً: التكبير، ومن السنة أن يبدأ التكبير من ليلة العيد في الأسواق، والبيوت، ودبر الصلوات المكتوبة، وفي الطريق، وقبل الصلاة؛ ويكبر الإمام أثناء الخطبة؛ وصفته: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد"؛ ويستمر التكبير دبر الصلوات إلى صلاة عصر ثالث أيام التشريـق.
رابعاً: من السنة أن يغتسل لصلاة العيد، فقد روي أن علياً وابن عمر رضي الله عنهم كانا يغتسلان، وروي مالك بسند صحيح: "أن ابن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو"، أي لصلاة العيد.
خامساً: من السنة أن يلبس المسلم أحسن ثيابه ويتطيب لصلاة العيد، وفي يوم العيد، جديدة كانت الثياب أم مغسولة.
سادساً: التعجيل بصلاة العيد بعد الشروق، ووقتها من طلوع الشمس إلى الزوال، والسنة إخراج النسـاء، حتى الحيض، والأطفال، شريطة أن يكن متحجبات، غير متطيبات، ولا مختلطات بالرجال في الطرقات والمراكب، ليشهدن الخير ودعوة المسلمين، وإن لم يلتزمن بذلك فلا يخرجن.
سابعاً: يصلي العيد جماعة، ركعتان، يكبِّر في الأولى بعد تكبيرة الإحرام سبع تكبيرات ويرفع يديه فيها، ويقرأ بعد الفاتحة بسورة "ق"، ويكبِّر في الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة الرفع من السجود، ويقرأ بعد الفاتحة بسورة الواقعة، وله أن يقرأ فيها بعد الفاتحة بسبِّح والغاشية، يجهر فيهما بالقراءة؛ وحكمها أنها فرض كفاية، و قيل سنة مؤكدة.
ثامناً: لا أذان ولا إقامة لصلاة العيد ، ولا سنة قبلها ولا بعدها.
تاسعاً: تُصلى العيد في المصلى والصحارى، ولا تُصلى في المسجد إلا لضرورة، إلا في مكة المكرمـة .
عاشراً: كل تكبيرة من تكبيرات العيد سنة مؤكدة، يسجد الإمام والمنفرد للواحدة منها، وقيل لا شيء على من نسيها.
أحد عشر: المسبوق يكمل صلاته بعد سلام الإمام بكامل هيئتها، وإن جاء في الركعة الأولى أوالثانية ووجد الإمام شرع في القراءة كبر في الأولى سبعاً بعد تكبيرة الإحرام وفي الثانية خمساً، ومن فاتته الصلاة صلى منفرداً، وقيل يصلي أربع ركعات.
الثاني عشر: للعيد خطبتان بعد الصلاة يجلس بينهما، يحث فيهما الإمامُ المسلمين على تقوى الله والتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبين أحكام الأضحية وما يتعلق بها، ويسن الاستماع إليهما.
الثالث عشر: بعد الفراغ من الصلاة والخطبة يتعجل الإمام بذبح أضحيته، وكذلك يفعل جميع الناس، ليفطروا منها، ومن لم يتمكن من الذبح في اليوم الأول ذبح في اليوم الثاني أوالثالث.
الرابع عشر: من السنة أن يرجع من العيد بطريق غير الطريق الذي جاء به .
الخامس عشر: الأضحية له أن يأكل منها، ويتصدق، ويدخر، مالم تكن هناك جائحة، ولا يحل له أن يبيع شيئاً منها.
السادس عشر: والأضحية سنة مؤكدة على الموسرين من الرجال والنساء، المقيمين والمسافرين، المتزوجين وغير المتزوجين، من الأحرار والعبيد، أما المعسر فلا حرج عليه في ذلك.
السابع عشر: يجزئ في الأضحية الجذع من الضأن، وهو ما أتم ستة أشهر؛ والثنيّ من الماعز، وهو ما أتم سنة ودخل في الثانية؛ ومن الإبل ما أتم خمساً ودخل في السادسة؛ ومن البقر ما أتم أربعاً ودخل في الخامسة؛ ويشترط فيها السلامة من العيوب، وقد نهينا أن نضحي بالعرجاء البين عرجها، والعجفاء، والعمياء، والكسيرة.
الثامن عشر: من السنة أن يصل المضحي أهله، وأرحامه، وجيرانه، وأن يصافي ويعافي من بينه وبينه شحناء.
التاسع عشر: يقال في التهنئة بالعيد: تقبل الله منا ومنك، ويقول الرادّ كذلك.
العشرون: الإكثار من ذكر الله تعالى.
الحادي والعشرون: إذا اجتمع عيد وجمعة فقد ذهب أهل العلم في صلاة الجمعة ثلاثة مذاهب:
1. قال أكثر الفقهاء تجب الجمعة بعد العيد.
2. تجب على الإمام فقط ، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبي هريرة رضي الله عنه: "اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون" رواه ابن ماجة ج1 صفحة 415 وسنده حسن وصححه البوصيري في الزوائد والدارمي ج1 صفحة 378، وقد روي مثل ذلك عن ابن عمر وابن عباس.
3. لا تجب الجمعة على كل من صلى العيد، الإمام وغيره.
وقد روي هذا عن عمر، وعثمان، وعلي، وسعيد، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، ومن الفقهاء الشعبي، والنخعي، والأوزاعي، ودليل ذلك ما روى إياس بن أبي رملة الشامي قال: شهدت معاوية يسأل زيد بن أرقم: هل شهدت مع رسول الله عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ قال: نعـم. قال: فكيف صنع؟ قـال: صلى العيـد، ثم رخص في الجمعة فقال: "من شاء أن يصلي فليجمع".أخرجه أبو داود باب إذا وافق الجمعة يوم عيد من كتاب الصلاة ج1 صفحة 246 رقم 1073 وأحمد في المسند ج4 /372 وابن ماجة فيما إذا اجتمع العيدان في يوم من كتاب إقامة الصلاة ج1 صفحة 415
و قد روي عن ابن الزبير رضي الله عنهما عندما كان أميراً على الحجاز واتفق عيد وجمعة أنه صلى العيد ولم يخرج بعدُ إلا لصلاة العصر .
ما يحذر منه في العيد
1. التكلف والإسراف في شراء الملابس والأضحية، وفي صيانة البيوت وتزيينها.
2. الاجتماع في بيوت حديثي الموت، سيما النساء، وإعادة الحزن والبكاء في هذا اليوم.
3. زيارة القبور سيما للنساء، وقد منعهن الشارع من زيارة القبور في هذا اليوم وفي غيره.
4. دخول الرجال الأجانب على النساء في البيوت ومصافحتهن، وربما الجلوس.
5. اختلاط النساء والرجال في الحدائق العامة، والمنتزهات، وفي المركبات العامة، وكثير من النساء والبنات متبرجات متطيبات.
6. إقامة الحفلات الغنائية وشهودها.
7. الاشتغال بلعب الورق "الكتشينة" ونحوها.
8. الغفلة عن ذكر الله، خاصة صلاة الجماعة.
9. يجب تجنب المعاصي والحذر منها، من شرب خمر، وزنا، وسرقة، وغيبة، ونحوها.
10. شد الرحال لزيارة الأضرحة، والقباب، والموتى، وإيقاد السرج عليها، وإقامة الحوليات ونحوهـا.
11. إخراج البنات البالغات ودون البلوغ سافرات، كاسيات، عاريات، مائلات، مميلات. وقد توعد هذا الصنف بأنهن لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة".
12. التشبه بما يفعله الكفار في أعيادهم.
13. الصيام يوم العيد.
14. التهاون في ترك صلاة العيد.
15. المبالغة في السهر، خشية ضياع صلاة الصبح.
وأخيراً اعلم أخي الكريم، تقبل الله منا ومنك صالح الأعمال، اعلم أن العيد ليس لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن طاعته تزيد، وليس العيد لمن تجمل باللباس والركوب، إنما العيد لمن غفرت له الذنوب؛ في ليلة العيد تفرق خلع العتق والمغفرة على العبيد، فمن ناله منها شيء فله عيد، وإلا فهو مطرود بعيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق